اشكالية العراقيين بين بقايا جذور ثقافة العنف وافكار بناء عراق المستقبل
السبت 24 أبريل 2004 15:19
الدكتور توفيق التونجي






هلموا أحبائنا كي نعود
لنا، كل هذا الوطن المستباح
لنا، كل هذي الجراح
تعالوا نقبـّل وجه الفرات
ونشرب ُ دجلة َ حتى الثمالة
نشرب
نسكر
لا نستفيقْ
.....
....
..
الشاعرة العراقية بلقيس حميد حسن



لوحة اليوم:

شعب يعاني ويعيش حالة من الاجهاد وغموض يلاحق الحلم بمستقبل امن، ذلك الحلم الذي يكاد ان ينفجر مرة تلو الاخرى كفقاعة هوائية في سماء الرافدين الملبد بغمامة سوداء يكرب الفؤاد ويسوق القنوط الى قلوب البشر.
"عراق الغد" الذي طال انتظاره وصار الامل الذي لا يترك مخيلة انسان الرافدين، بعد ان عانى الامرين بيد ابنائه والقادمين من كل صوب وحدب من اعداء واصدقاء ومحبين وطامعين. تيارات سياسية وفكرية مجهولة وغامضة البيان والتبيان لا يفقها العقل البشري ولا يعيها العاقل الحكيم.
قارئي الكريم كنت وعلى عادة اهل هذه البلاد حيث يجلسون معا لشرب القهوة الصباحية مع بعض الخبز او الفاكهة عند الفطور، اقول كنت قد اكملت رشفتي الاولى من قدحي حين بادرني زميلي و محدثي متسائلا وكان تلك الغمامة العراقية السوداء تطوف كهالة فوق راسة قال متسائلا:
اود ان لا تنزعج من سؤالي ولكني لا اتمكن من فهم لغز العراقيين اللذين ما برحوا الا ونادوا للخلاص من الدكتاتورية فكيف بهم الان ينادون الى نظام شمولي يعوفون جيدا نتئجه عند حدود الدولة الجارة؟
بالتاكيد ليس بسؤال بسيط هذا وربما لا يوجد له جواب واحد بل عددة اجوبة حسب منطق المجيب ومنطلقاته الفكريه والعقائديه والسياسيه ولكنه سؤال يراود عقول الغربيين بين الحين والاخر وهو تسائل محق ومنطقي طبعا.
ولكن المفهوم العام للديمقراطية تعني رائ الاغلبية او حكم الجمهور، فاذا رائ الغرب بان الاغلبية تطالب مطاليب غير واقعية "من منطلق الفكر الغربي طبعا" فهذا بالنسبة لهم غير مقبول. الانسان اينما كان ووجد ينطلق من ثقافته وتتوجهاته الخاصة وقيمه ومقايسه في تقيم الامور والحوادث. لذا من الطبيعي ان نرى ان الغربي لا يستسيغ الكثير من عادات وتقاليد الشرق لا بل سلوكيات الانسان الشرقي الذي يراه مغايرة تماما لدرجة تقيميه هو بنفسه لسلوكيات وعادات وتقاليد واعراف الغربيين.

المرتجى الافلاطوني:
مجتمع مدني يدعوا الى المحبة والسلام، تعددي النظام يحترم الفكر الاخر ويقدرة ويعتبره الحاكم والسلطة عونا له في عملية التطور والتقدم نحو الافظل والاحسن. مجتمع العدل والمساواه والقانون لا يضيع فيه حق انسان وقضاء يرى الناس سواسية كاسنان المشط لا يامر ويتخذ القرارات بامرة وسلطة حاكم او جماعة من عصابة اوباش. لا يفرض فيها فكر عنوة وبالعنف والقوة، كل له دينه يعبد الواحد القهار على طريقته ويبقى الوطن للجميع. حاكم ياتي ويرحل ويترك مكانه حبا لاخر، ربما يكون احسن منه، وربما تدور الدائرة ويعود هو بالذات مرة اخرى الى سدة السلطة والحكم ويمسك الصولجان بيده، امرا ناهيا جالسا على كرسي العرش.
يلتقي الفرقاء والخصماء والمتنازعين في قاعة، قاعة تجتمع فيه الناس يجلسون في اماكنهم يعلوهم لوحة سطر عليها بعناية " وامرهم شورى بينهم" يتحاورون، يتناقشون، في سجال وعراك وصياح يدافعون عن حقوق من اعطاهم رسالة النيابة والولاية والمبايعة للحديث باسمهم والتعبير عن ارائهم ومطاليبهم وامانيهم. ثم ينفك عقد القوم ليتجمعوا بعد حين وتحت نفس تلك اليافطة والكلمات المقدسة الحكيمة.
امة تكون فيها الكبير رحيما بالصغير ولا يعاقبه على هفواته، عادلا مسامحا ولكن شديد الباس على نفسه ان اخطا.
يخرج الجميع في نهاية المطاف متوافقون متراضين لا يحصل فيها اي طرف على مبتغاه بالكامل.

بين الاهمال والتمهيل:

عشت اصلي اؤدي المناسك
اسعد ما اكون بعبادة والاحتفاء باعيادها
وكذا امرت اهلي ان يمجدوا الالهة تمجيدي
وكل ما يصدر عن الملوك من فعل حكيم عزوته
الى الالهة
فها هو ذا المرض يدب في اعضائي ويحرمني
نومي
وما اخذت الالهة بيدي

قصيدة بابلية

مرة اخرى استنجد بقصيدة خطه يد عراقي من بابل القديمة قبل اكثر من ثلاثة الاف من السنين ونيف كي يسعفني بكلماته البليغة للتعبير عن "الصبر" المنخور في ضمير العراقيين وخاصة بين جنبات اضلع الام العراقية فسلاما اليها اينما وجدت و لدموعها واهاتها ونشيجها ودعائها وصلواتها وسلاما الى رمسها وشاخصها وتراب قبرها، سلاما وسلاما وسلاما.

لا يزال التسائل مستمرا:
وجد صاحبي باني لم اجب على سؤاله الاول وربما فهم في صمتي نوع من اجابة فامطرني بسؤال اخر:
اتجدكم تستطيعون ادارة دفة الحكم والدولة عند رحيل قوات الحلفات وتسليم السلطة لكم؟
اي دولة هذا واية سلطة تستطيع حكم عشرات الملايين دول وجود وغياب جهاز للشرطة ومؤسسات امنية والمؤسسة العسكرية والقظاء والمجلس الوطني والقوانين النافذة والاف الامور الاخرى...
ان السيادة الوطنية لمقدسة عند كل الامم ولا تستطيع اي سلطة اداء دورها دون سيادتها على ارضها وعلى ارادتها الوطنية المستقلة مخيرا غير مجبر. هذا مفروغ منه ولا يحتاج الى اي ايضاح، انه لبديهي ان غياب سلطة القانون حتى في المجتمعات التي تعتبر نفسها متطورة ومتقدمة، كافي لانتشار الفوضي وفلتان الامن وتسلط الرعاع والخارجين على القانون على رقاب الناس.
ان المهة صعبة ولكنها غير مستحيلة ونحن لها. ولكني اتسائل دوما لم يكون الاعلام العالمي منحازا الى اخبار العنف ولا تذكر اخبار تسر السامع حول انجازات رجال ونساء العراق وشبابهم. لم لا تسلط الاظواء على نشاطات وفعاليات العراقيين ممن يعملون في تلك الضروف الصعبة في اعلاء كلمة "الوطن" جنود مجهولون لا يطلبون الشكر والعرفان من احد.
ان العقل الغربي لا يمكنة الا ان ينطلق في تقيمه للامور الا من توقعاته الاولية التي تتماثل مع ثقافته وممارسته للتجربة الحياتية الديمقراطية. ان مجتمع قيد خلال عقود طويلة عن طريق فكر شمولي واساليب استخدم فيها العنف وامحاء الوجود البشري والفكري للانسان العراقي حتى بات يخاف من الحديث مع ابنائه بينما ترقص الام المفجوعة والدماء تسيل من فؤادها وتطلب منها ان تهلهل لفقيدها الوحيد الذي يصفق الشاطين الخرس لسماعهم هدير الرصاص المنثور على جسده الندي. يعود الجلاوزة بعد حين يدقون باب بيت المفجوع طالبين قيمة فاتورة الرصاص....................................بينما لا يزال صدى الشهيد يلاحقهم
لا اريد الحرب... لا اريد قتل الناس..
اكاد واني اكتب هذ الكلمات ارى الستار الاسود ينسدل على خشبة المسرح بينما الجمهور لا يزال متسمرا صامتا، جالسين في مقاعدهم منغرسين من شدة اثر وطئة الصدمة وهول المشهد... واه... فزعاه، حتى التشخيص البشري لهول الحادثة كافية لرسم لوحة كئيبة قاتمة عن حال اهلنا في العقود الثلاثة الاخيرة...... انها ليست فصل من رواية او مسرحية من نسج الخيال، انها حقيقة العراقيين يا صاحبي. ما يجري اليوم صدى البارحة لا يزال يتردد في عقول البعض ولا بد ان يزول اجلا ام عاجلا.

الصفوة الجاهلة:
ان دولة العلم يخطئ ولكنها لا تعيد الكرة ودولة الجهل تخطئ وتخطئ وثم تخطئ. كيف يكون امي جاهل وزيرا للتعليم العالي بين شعب احب العلم والمعرفة وانجب الامة و العلماء والصالحين، امة ينتشر طلاب العلم من ابنائها في كافة ارجاء المعورة طلبا للعلم والمعرفة، امة تكاد ان لا تكون هناك جامعة في الدنيا لا يدرس فيها احد ابنائه ودولة لا توجد فيها طبيب عراقي.
ان الجيش المليوني من المعقوين علميا وثقافيا هم اليوم عاطلون عن العمل. هذا الجيش الجرار قد فقد كل ما كان بيده من سلطة وبات يدور الدروب وازقة البلاد طلبا للعمل وبات في احسن الاحوال مجرما او لصا او قاطع طريق.
ان مسيرة الانماء والتنمية الوطنية والتخطيط لبناء عراق الغد لكافية لتحويلهم الى مواطنين صالحين يعملون جاهدين من اجل الرزق الحلال او تراهم يفترشون السجون.

النموذج الايجابي:

ستبقى التجربة الكوردية في ربوع كوردستان منارا ونموذجا مثاليا رائدا لبناء عراق جديد والرد الامثل على جميع التساؤلات حول مستقبل العراق والجدير بالذكر ان الشعب الكوردي بالمقارنة مع شعوب المنطقة لاول مرة في تاريخها المعاصر يقوم بحكم نفسه بنفسه وتكون السيادة والارادة بالكامل بيد ابنائه فتحية لرجل ونساء الكورد بتقديمهم النموذج الكوردستاني رغم كل المعوقات والصعوبات وتلك كانت اجابتي قارئي الكريم على تسائل صاحبي وزميلي وسلاما.


السويد

خاص بأصداء
ارسل هذا الموضوع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الناقد العراقي