إيلاف الاثنين 12 أبريل 2004 08:05

الصراع الازلي على ينابيع المياه الحارة مسار الطريق نحو الشمس
الاثنين 12 أبريل 2004 08:05
د. توفيق التونجي







الكل يتدفق
صوب الشمس
سنحتلها
ان احتلالها لقريب
ناظم حكمت


في البدء كان الرافدان:
بلاد الرافدين بعد مرور عام على سقوط النظام الذي حمل الياس والقنوط افئدة ابنائها وسيقوا الى سوح القتال مرغمين تحت سطوة وارهاب الجلاوزة والجلادين وتلك هي المقابر الجماعية شاهد العصر والزمان على ماساة ابناء السواد من شمالها الكوردستاني الى ابلتها الخليجي، اليوم وبعد مرور عام على التحرير تجري على ارض العراق تجربة جديدة ودعوة صادقة الى العيش بحرية الانسان واحترام انسانيته وحقوقة البشرية دون فرض لفكر شمولي او عقيدة او مبدا بعد انفجار تلك الفقاعة الكاذبة وزوالها كليا من ارض العراق باذن الله تعالى.
هي تجربة يغير مفاهيم وسلوك الناس كليا متوجهين الى التجديد والصلاح والفكر الحر، هؤلاء الذين ما انفكوا الا ورمي بهم في اتون اقبية السجون والمعتقلات واجري عليهم كافة فنون التعذيب وامحاء الروح والجسد حيث دفنوا احياء في مقابر جماعية منتشرة في جميع انحاء البلادنا ناهيك عن التعرض الى قدسياتهم واعراضهم لمجرد انهم اصحاب فكر وعقيدة، رافضين الرضوخ والسجود للصنم وترديد هذيانه.
هكذا تغير يحتاج الى جهد كبير ومشاركة الكل والشفافية في التعامل والانسيابية واحترم الاخر المختلف والعون من عنده تعالى.


شعب عقيدة وفكر:
ان يوم سقوط بغداد في العصر الحديث لا يشبه قط المرات العديدة التي سقطت فيها عاصمة المحبة والفن والعشق والثقافة والفنون والعقائد والملل والحلل، مدينة جاب في شورارعها وازقتها الخلفاء، العباقرة،العلماء،المصلحين،الائمة والصالحين.
في ذلك اليوم بقت شعاراتهم التي رددوها اربعة عقود خرساء مكتوبة على الجدران وكسراب في عمق رمال الصحراء في يوم نيساني قر تلاشى كل شئ وتحول الفلول الى عصابات ولصوص يمارسون هوايتهم المفضلة في قتل الحلم العراقي الى حين.
العراق نعم تحت الاحتلال وجحافل الجيوش قدمت لتحريرها من قوى الشر التي علقت المشانق لاهلها وبات كل بيت ينوح على عزيز فقده وغاب الضمير والوعي والحكمة الى درجة طلبوا من الامهات الفجوعات بابنائهن ان تهلهلن لصوت رشق الرصاص الذي كان يخترق فؤاد افلذه اكبادهن.
اما المقابر الجماعية المنتشرة على طول وعرض البلاد التي اكتشف منها وعشرات المقابر التي ستكتشف والانفال وحلبجة ستبقى لابد الابدين وصمة عار على جبينهم.


الشارع العراقي:
يشبه الشارع العراقي اليوم الى حد بعيد الكلمات التي خطها شيخنا الجليل الشيبيي حين قال:
شباب طائش نزق
وشيب ما بهم رمق
وشعب طالب ثقة
فدلوه بمن يثق


تعود المواطن العراقي وخلال العقود الاخيرة على سماع اخبار الموت والقنابل وخراب البيوت والديار وبات حالة يومية اعتيادية تكرر. ستبقى تلك الصورة عالقة في ذهن المواطن لفترة طويلة الى ان تنقشع الصورة ويزول الضباب لتخرج الصورة الحقيقية للواقع العراقي ويتلفت الناس الى امورهم وهمومهم اليومية. الزمن كفيل بامور كثيرة منها التغير الذي يجري على قدم وساق بعد ان تعود السيادة الى يد ابنائها البررة و اليوم حيث ولاول مرة منذ عقود يتمكن المواطن العادي من التعبير عن رايه واجراء احاديث ولقاء رجال الصحافة والاعلام المرئي والمسموع والمقروء والانترنت دون خوف من رقيب ورجل امن فاقد الضمير.
حتى ان تلك الفظائيات التي استفادت من كل تلك الحرية بدات تبيع بضاعتها الى الجمهور العربي بصورة وربما لا تجرء على ادائها في اي دولة عربية اخرى.


الارهاب حديث الشارع:
"الارهاب" بدا وكانه حالة يومية في حياة المواطن العراقي وتلك ظاهرة غريبة على المجتمع العرقي ولم يكن يوما من الايام اسلوبا نضاليا لاي حزب عراقي ما عدا حزب البعث الذي بعث الخوف والارهاب في نفوس القوم منذ ابتلاء بلاد الرافدين به منذ ايام "المنحرفون" اثر انقلاب الرمضاني الذي ترك القوم في الارهاب وراح ضحيتها رجال ثورة 14 تموز 1958. بات ان نعرف ان المجتمع العراقي كان مسالما تسود الالفة والتاخي بين ابنائها طيلة فترة العهد الملكي كذلك ولم تشهد اي ارهاب رسمي ضد ابناء الشعب العراقي. هنا يجدر الاشارة الى فترة الانتداب البريطاني شاهد ثورات متعددة واضطرابات ضد وجود الاجنبي على ارض العراق بعد ان كان يرضخ تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية لعدة قرون كان فيها دولة العراق ساحة يتنافس عليها الجيران وتجرى على رحاها الحروب والنزاعات. حتى بدى لنا نحن العراقيين ان اللذين يحاربون من اجل امتلاك العراق هم الاجانب اللذين ابتلا البلد بهم، فغزوها قادمين من كل صوب فعسل بغدادياتيه حتى نحل الاناظول كما قال الشاعر المبدع التركي ناظم حكمة الذي استهليت كتابتي هذا بكلمات خالدة من اشعاره.


من يواجه من؟


لا زال الشارع العراقي بعد مرور عام كامل على انتهاء سلطة النظام السابق يصحو على اصوات الرصاص والمدافع رغم ان الذهول الذي يرافق اي تغير جذري يزول مع الزمن وانقشاع الضباب. لكن الشارع العراقي يريد ان يرى الصورة التي حلم بها دوما وبات في ذاكرة العدييدين صورة مثالية ايجابية كمن يصبون الى جمهورية افلاطونية مثالية ولا يجد الا السراب. وربما اقول وربما ان ذلك قاسي الى درجة القنوط للمثقف الواعي الذي يحاول جاهدا ازالة جميع مظاهر السلبية في المجتمع ويتوق الى مجتمع يسوده الامن والاستقرار كي يمارس الناس حياتهم العادية ويبدع المبدعون حيث يتوجه العابدون الى معابدهم دون خوف. ان من اهم مظاهر المجتمعات المدنية غياب صورة العنف من الحياة اليومية الى درجة نرى الناس يحولون الثراث العسكري والحربي للماضي وينقلونها الى المتاحف العسكرية الحربية ليرسموا صورة للمجتمع المدني السلمي لابنائهم وليذكروهم عن طريق معروضات المتحف بالماضي الذي لا يعني الا ماضي ولى والا ابد الابدين. مربين بذلك جيلا سوف لن يقبلوا ابدا باعادة تلك الايام الماساوية التي جلبت الدمار والخراب الى الديار والنفوس.
وربما سياتي يوما سنرى كل ذلك السلاح والعتاد والقنابل تجمع في احد متاحف عراق الغد وتاتي معلمة نبيهة بتلاميذ الصف لزيارة المتحف.
تراها تقف امامهم لتذكر لهم مدى قسوة الناس في التعامل مع بني البشر في الماضي السحيق وتضيف قائلة:
لله الحمد يا ابنائي والشكر بان اعينكم الندية سوف لا ترى قط تلك الماسي التي مرت على اجدادكم.........................................! سلاما ومحبه يا اهل الرافدين ولتجدد فيكم روح الخلود عام بعد عام.

خاص بأصداء
موقع ايلاف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الناقد العراقي