"صراخ الارض "
انطباعات عراقي على مشارف عاصمة الكروم و المحبة
(2)
"ما يهمة هذا شنو
فلاح لو حضري
من حلة او نينوى
كركوكلي او بصري"
سمفونية المقابر

استمر في سرد انطباعتي عن "فينا" وانا استمع هذه المرة الى صوت نسائي صاعد حزين تحمل في نبراتها تاريخ من ماسي قوم من اقدم شعوب الشرق واعني "الكورد" وهي نموذج لتلك الفنانة والصوت الغنائي الرائع لتلك الموهوبة الالهية , تحمل ثقافة الشرق ومعاشاة, معاناة وتجارب مجتمع المنافي حيث ترعرت في بلاد الاراضي المنخفضة ولا تزال تواصل مسيرتها واعني بها الشابة الجميلة "جوبي كركوكي" التي تصدع بصوتها الرخيم بالصورانية والكرمنجية والتي ستحي حفلات عيد نوروز على مسارح العاصمة النمساوية "فينا" وحواظر اوربية اخرى .


المطربة الصاعدة جوبي كركوكي


المكان نفس المكان الزمان الان:

كان المرحوم " ذو النون ايوب" الحاضر الغائب في اللقاء الذي جمعني مع" الدكتور رياض الامير" والكاتب المحبوب "وداد فاخر" ونحن نعيد سرد تاريخ يعود الى اكثر من اربع عقود نتداول في شوق ومحبة اخبار القوم على ضفاف الرافدين ونهمس بين الحين والاخر اسرارنا اثر مرور غانية سمراء من قرب طاولتنا تحمل قسائم معبودتنا الشرقية ثم نصمت لنذهب مبتعدين عن الزمان والمكان الى عوالم الخيال مبدعين .. نعم قارئي الكريم هنا في عاصمة اوربا مر العديدون وفي هذا المكان بالذات تحاور الناس وجلسوا ليشربوا تلك القهوة المسماه "القهوة التركية" وربما كان ضباط الجيش التركي يرتادونها يوما هذا المكان بالذات, حين كانو يعسكرون في قلب اوربا ليس بعيدا من موقع هذه القهوه التي تقع في وسط مركز المدينة "قهوة المتحف" كتلك رديفتها في بغداد "البرازيلية" التي لا تزال تتحدى الزمن وتقاوم حتى لو تحولت الى خرائب كرفيقتها الاخرى "جوت قهوة" القابعة على نهر خاصة صو في مدينة العذابات كركوك والتي تحولت الى خرائب واماكن للنفايات بعد ان كانت كلها اماكن للقاء النخبة من المثقفين والكتاب والادباء فسلام الى ذكراهم جميعا.

ان مدينة فينا مدينة المطاعم والمقاهي وربما يصح القول بان بين مطعم واخر هناك قهوة وللنمساويون تقاليد ريادة تلك المقاهي حيث تراهم يلتقون في مكان ومن ثم يتنقلون بين تلك المقاهي والمطاعم وحانات المدينة طوال الليل. ورغم اني قضيت كل الوقت جالسا في احد المطاعم المسماه"مطبخ كاروان" كي اتلذذ بما جاد به المطعم العراقي المتنوع ثقافيا حيث اضاف اليه شعوب العراق الكثير فبات رمزا وطنيا جميلا كنت قد كتبت عنها قبل عامين على صفحات ايلاف وتسلمت على اثرها العديد من الرسائل طالبين تحويلها الى كتاب مستقل. هنا استمعت الى شجون انسان المنافي الذي احترق بلهيب الغربة ليذكر لي احدهم بانه تطوع كي يتحول قدوة في حرب النظام السابق مع الجارة ايران كي يستطيع الحصول على اجازة ساعات ليتوجه الى كردستان ومن ثم الى الغرب ومغامراته في قطع الحدود من دولة الى اخرى ووصولة الى فينا بعد اكثر من خمس سنوات رحلة طويلة وشاقة قطعها العديد من العراقيين وفقد الكثير الرفيق والصديق والابن والحبيب وتشرد كذاك الذي لا يزال يدور في شوارع فينا بالملابس الكردية والعمامة يدور تائها ك "اليهودي التاءه" لا يعرف من هو اذا سؤل فهو غاب اكثر من سبعة عشر عاما في سجون الصين وباكستان وروسيا ولا يعرف لحد الان كيف وصل الى النمسا.



كاروان ومطبخه المشرقي

نحن الشرقيين نحمل ثقافاتنا في صدورنا وتجري كالدماء في عروقنا يجرنا جرا الى مصيرنا في سفرة نقطع بها الزمن متحولين الى ضباب تنقشع تاركة قطرات ندى على اوراق الشجر مودعين الدنيا بيد خالية هكذا وببساطة فكرت وانا اجالس صاحبي في احدى مطاعم الغرب الشرقية "رستوران آبادان" نعم عابدان ولهجتهم الاحوازية الرائعة ورائحة الصحراء واخلاق البداوة العريقة …..
نحن نرى العالم بعيون ملئها "العراق" وما آل بها القوم خلال العقود الثلاث الماضية وما ترك من جراح لا يمكن للزمن تضميدها وانغرس في ضمائرنا وبات حديثنا المحبب ذو الشجون.

المتحف مرة اخرى والعودة الى الجذور:

لا يمكن زيارة هذه المدينة دون ان يحل المرء ضيفا بين ثنايا التاريخ فالمتاحف في هذه المدينة تعود الى سنوات الامبراطورية وربما اقدم بكثير وهو المكان الذي ياخذنا في غفلة عن الوقت والزمان لنعيد معاشاة واقع مر عليه الاف السنين , سفر خلال الزمن والانسان صانع الحدث والموروث.
ان القصور المنتشرة في المدينة تروي قصص وروايات كثيرة جرت حوادثها بين جدران تلك البنايات وما اكثرها. انه لمن دواعي السرور ان تشاهد معلمة يجري من ورائها عدد من الطلبة يتسائلون عن كنه الاشياء وعن كيف ولماذا ومتى واين. ان الطالب هنا يعرف عن حضارات الشرق ما لا نعرفه نحن ابناء الشرق انهم يتجولون بشغف وشوق كبيرين في قاعات المتاحف يرون باعينهم كل ذلك التراث الانساني اما نحن لا زلنا علينا ان نتخيل شكل المومياء وربما لا زلنا نعتقد ان كفن المياء ناصع البياض ... ان هذه الصورة واللوحة الرائعة تكرر في معضم متاحف الدنيا خاصة حين يكون الموضوع حول حضارات الشرق الفرعونية وحضارة العراق القديم في بلاد مابين النهرين ولا ادري لماذا تسائلت مع نفسي هل ياترى ان هل ان جميع الاجئين ها هنا زاروا هذا المتحف؟ وصمت!

الاقلام الزقاء والطاولة الخاوية:
كان اليوم التالي تقيلا وانا انظر الى شاشة التلفزيزن وعلى قناة "سي ان ان" الاخبارة وهي تعاود بث الطاولة ذات الخمسة عشرة قلما مذهبا ينتظر الموقعين على مسودة قانون المرحلة الانتقالية للعراق وبين الصمت الذي كان يلف المكان كانت الجرائد تكتب والمحليين يدلون بتحاليلهم بينما التقى العراقيين في مجموعات يتناقشون بندودها.. وصل الى مطار فينا كوكبة من الاطباء من اقليم كردستان للتطبيق والتزود بالمعارف الجديدة في عملية رائدة بالتعاون مع المؤسسات الصحية والحكومة النمساوية وقد اتصلت برئيس الوفد " الدكتور فرمان الزندي" متسائلا عن اوضاع الصحية للناس والمعوقات التي تواجه العراقيين بعد حصار طويل وغياب الاداء السليم لمؤسسات الدولة واخبرني بان الامور بدات تتحسن شيئا فشيئا ولكن هناك الكثير الذي يجب عملة للاخذ بيد تلك المؤسسات الصحية.
تركت المدينة واهلها على امل اللقاء واذا طال الله في عمرنا واعطانا الصحة والعافية وضممت الى صدري اوراقي وملاحظاتي ورؤوس الاقلام التي كتبتها هنا وهناك على قصاصات الورق كي لا انسى بعض التفاصيل وعذرا ان فاتني ذكر او حادثة وان للانسان هفوه وسلاما الى حين...................................................

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الناقد العراقي