"ارقام تالي البشر" انطباعات عراقي على مشارف عاصمة الكروم و المحبة
الجمعة 12 مارس 2004 16:22
د. توفيق آلتونجي





(1)


"فينا" عاصمة اوربا الثقافية تلك المدينة التي بناها الرومان سنة مائة ميلادية كمعسكر لجيوش الامبراطور تريان تحولت لاحقا ملتقى الحظارات وعاصمة اوربا التقى على ارضها الفنانون والموسيقيون والادباء والعلماء والاباطرة والسياسيين والمغامرين بين ابناء مجتمع ذو ثقافة تعددية امتزجت فيها جميع دماء شعوب حوض اوربا مكونة بوتقة ثقافية نادرة.

كان لقائي عاصفا بمدينة احببتها وعشت فيها سنوات شبابي قبل اكثر من عقدين من الزمان تعلمت لغة كوته واستمعت الى موزارت وهايدن وشتراوس. مدينة تكاد ان لا تجد فيها عمارتيين متشابهتين في عمارتها ذو الواجهات الخلابة ومع رحلتي هذه ساخذكم في جولة وسفر بين هموم ابناء العراق وانا جالس بين اهلي وابنائي استمع الى رائعة عراقية استوحيت عنوان مقالتي السردية منها تلك القطعة الابداعية التي اختلطت فيها العبقرية الادبية العراقية والموروث الغنائي الديني والريفي التراثي دون اية الة موسيقية الا ما وهبه الله من اوتار حنجرة وصوت رخيم للحاج باسم الكربلائي وكلمات اريجها تعط محبة للوطن وذاك الشهيد المظلوم نعم مستمعا لسفونية "المقابر الجماعية" التي الفها فالح حسون الدراجي و حميد الياسري واخرجها علاء يحي فائق وتلك الرائعة الشهادة العراقية الابداعية التي ستاتي بعدها ابداعات اخرى وربما عن " الانفال" وحلبجة والمهجرين وشهداء البحار في بلاد الغربة والاف المفقودين والقائمة لا تنتهي من ماساة العصر التي الم بالامة العراقية من شمالها الكردستناني الى ابلتها في الجنوب ومن نواعير هيت وعانه الى نفط خانقين.



حوار ام سجال ام خصام:



ترنحت الطائرت مائلة شمالا ويمينا وهي تحاول ان تهبط على مدرجات مطار فينا الدولي في "شويخات" بينما بدات اردد الشهادتين مستغفرا الرحمن من كل ذنب ولكنها حطت كالطائر المنهوك بعد ثواني وساد صمت بين الراكبين قطعها تصفيقي مهنئا كابتن الطائرة على الهبوط بنا وبذلك الطائر الحديدي بامان.

فينا المتربعة على عرش قلبي تنافسها المحبوبة بغداد ومدن وحواظر منتشرة عبر العديد من القارات بدات كمن تصحى من غفوتها وقد لبست خمارا ابيظا من ثلوج هطلت قبل حين ... هنا التقى الاقوياء من ملوك وسلاطين وانهارت امبراطوريات وجمهوريات فالجمهورية النمساوية الثانية هي وليدة جديدة تعود الى نهاية الحرب العالمية الثانية بعد اندحار احد ابنائها الذين قادوا العالم الى حافة الهاوية وكلفت البشرية اكثر من ستون مليونا من الارواح البشرية وخراب اوربا مدنها وحواظرها واقتصادها واعني طبعا النازي "اودولف هتلر" والجدير بالذكر ان العاصمة النمساوية قد قسمت بين دول الحلفاء المنتصرون وشاء القدر ان يكون الفندق الذي سكنته في المنطقة التي كانت من حصة ادارة الاتحاد السوفياتي السابق قرب نصب الجندي السوفياتي في ساحة المسماة الحصن الاسود.

كنت على موعد مسبق للقاء الدكتور منذر الفضل حيث كان سيلقي محاظرة عن الفدرالية كنظام مستقبلي للعراق ورغم اني كنت قد قراءة له طروحجاته واستمعت اليه في العديد من الندوات الانترنتية قبل سقوط النظام العراقي بل شاركت في الكتابة والدفاع عن التعددية الفكرية وافساح المجال لكل فكر جديد وعدم فرض الانحصار على الفكر والتفكير كبداية متواضعة للمارسة الحقة للديمقراطية من ناحية ولبيان نقاط الضعف والقوة عند المحاورين لارساء دعائم تلك الممارسة الانسانية بعيدة عن مبدا العنف والفرض والارهاب الفكري والاقتتال واعتبار الديمقراطية منبرا يجوز للناس ان يلقوا بكلمات يعبر عن ارائهم بحرية ويبقى للمستلقي الحكم عليهم وعلى صحة او خطا توجهاتهم.

كانت الندوة في الواقع بالنسبة لي مناسبة للقاء اصدقاء الامس ممن شاركت معهم في الحوار والنقاش والمظاهرات ضد دولة ارهبت الانسان والفكر وقاد العراق الى الماسي في حروبها القومية جلبت الدمار للبلاد وانسانها وهدرت طاقاتها وثرواتها البشرية والطبيعية والبيئية والدينية وبتنا ندور باحثين عن ماوى في دول لم نقراء عنها حتى في دروس الجغرافية. قابلني الاخ الدكتور مصطفى مرحبا وقادني الى حيث كان يجلس ضيف فينا ذلك اليوم وبعد التحية والسلام وتبادل التحيات العراقية التقليدية بدات الندوة المحاظرة والحوار ولست ها هنا بصدد طرح ما ورد من افكار جلها لم تكن جديدة الى الى الذين لم يستمعوا الى الدكتور الفضل قبل ذلك اليوم ولكن تشتت المواضيع وتفرعها مبتعدة عن عنوان المحاظرة ادى الى ارباك الجمهور حيث بدى لي ان الجميع يحاولون ابداء المداخلات اكثر من التسائل. ولكن الممارسة الديمقراطية لا حياء فيها واكل يمكنهم وبحرية طرح توجهاتهم واجتهاداتهم وقد يكون المحاظر على خطا يتدارك فعله لاحقا ويبدا بتطوير الفكر الذي بدوره يعتبر ديناميكا وليس مطلقا قطعا. المجتهد قد يكون على صواب وقد يخطئ ولكن علينا الاستماع اليه وابداء الرائ وربما النصيحة اذا اخطا وهذ احد اهم مبادئ البحث العلمي في التوصل الى جزء من الحقيقة النسبية حيث الحقيقة المطلقة غيبي لا يعرفه الا سبحانه وتعالى جل شانه.

ان لغياب ثقافة الممارسة الديمقراطية الاثر الاعظم في الحوارات بين الشرقيين بصورة عامة فنحن نتاثر بالجو السياسي خاصة عندما تمر عبر تداول وتداور اجيال عديدة حيث تنقش اساليب التربية في عقول ونفوس الناس وتحتاج ربما الى عقود طويلة للتغير وتجري مجرى اخر جديد.

نحن نجال الناس على اساس "الفرد" وليس على اساس الفكر ويكون بالطبع خصاما كذلك خصاما شخصيا وليس فكريا وسجالنا قد يصل الى درجة القطيعة ومع الاسف الشديد ينبرى اخرون الى استخدام اسلوب الطعن فتكبر الهاوية وينفرط العقد في حين ان الهدف الاساسي للنقاش هو التوصل الى خط وسط يتفق عليه الجميع كقاسم مشترك فكري بين المتحدث والمستمع. نحن نرى العديدون ممن غيرهم الزمان 180 درجة وعادوا يعادون ما كانوا يناصرونهم يوما. هناك اساليب عديدة في ثقافات الشعوب للحوار والجدال منها ما نراه عند السياسيين الامريكيين في الطعن المباشر وثقافة هادئة في اوربا والدول الاسكندنافية بصورة خاصة.

يقول القول المسيحي الماثور " من كان منكم دون خطيئة فليرمها بحجر" وقد تناقلتها الالسن في الشرق والغرب ودخلت في ثقافات الشعوب كاسلوب رزين غير متشنج في النقاش والحوار بعيدا عن التوبيخ والطعن والاساءة. نرى مثلا انها تحولت الى حكمة وقول ماثور مفادها" من كان بيته من زجاج لا يرمى بيت الاخرين بحجر" فالكل سواسية وغير معصوم من الخطا والكمال لله عز وجل.

في مقالتي القادمة ساكمل انطباعاتي عن المدينة واهلها الكرام وشجون ورويات العراقيين في المنفى النمساوي التي تغنتها حنجرة اسمهان قائلة "ليالي الانس في فينا .........."

خاص بأصداء


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الناقد العراقي