اشكالية الفكر السياسي التركي بين افكار الداعية الى الانتماء الى الاتحاد الاوربي وبين التقوقع في الاطار المحلي
السبت 24 يناير 2004 14:58
الدكتور توفيق التونجي




ان احد اقدم تطبيقات الديمقراطية في الشرق جرى على ارض الاناضول منذ اكثر من ثمانية عقود ولا يزال مستمرا. بدا مع انهيار الامبراطورية العثمانية والغاء الخلافة و اعتبار الدولة علمانية في عملية فصل الدين عن الدولة التي لم تعني قط عدم السماح بتاسيس احزاب ترى في الارث الديني للشعب مبدا اساسيا وفكريا.
ان التطورات الاحقة تبين ان تلك الخطوة التي كانت تقدمية بالنسبة لذلك الزمان ما برح ان غلف طابعا قوميا و منعزلا على نفسها وفي صراع داخلي ليس فقط نتيجة وجود حدود دولية لتركيا مشتركة مع القطب الاساسي في الحرب الباردة واعني بها جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة بل لكون الفكر الكمالي الذي كان تقدميا في البداية وكما اسلفت وفكرا منفتحا على الجديد في بداياته قد تحول مع مرور الزمن الى حزب انطوائي رجعي خائف من كل جديد وتغير.
لا شك ان الخطاب السياسي للفكر الكمالي قد تغير كثيرا منذ المؤتمر التاسيسي لها ونجاحها لاحقا في الصعود على سدة الحكم في البلاد بعد المشاركة الشعبية الواسعة لابناء جميع القوميات في "الحرب التحريرية" ورغم ان ذلك الخطاب كان منفتحا على الجميع ويرى الوطن موحدا متكاملا يشترك فيه قوميات متعددة يرفعون شعارا مشتركا في " السلام في الوطن وعلى سطح المعمورة" كدعوة واضحة الى انشاء المجتمع المدني ومؤسساته بعيدا عن العسكر والعسكرة واطماعهم التوسعية التي قادت البلاد في الماضي الى الحروب والدمار وهذا ما دفع القادة الجدد لاحقا ابان رئاسة السيد عصمت ايننو لرئاسة الجمهورية في قراره الحكيم في رفض المشاركة التركية في الحرب العالمية الثانية وبقائها على الحياد.
بقى ان نعلم ان الصراع بين المدنيين والعسكر في السيطرة على امور البلاد لم ينقطع ابدا وجرى على ارض الدولة الحديثة العديد من المحاولات الانتقلابية العسكرية ادى الى هلاك كوكبة من رجالها في سبيل بناء المجتمع المدني وارساء ركائزها وكان اخرها انقلاب ايلول العسكري عام 1980.
الجدير بالذكر ان الطبقة المثقفة من ابناء البلاد والواعون من كتاب واساتذه كانوا دائما الحطب وقرابين في دروب الحرية وكان في مقدمتهم التقدميين وايناء القوميات الاخرى التي خرجت بعد انتصار الحركة الكمالية وسيطرتها على زمام الامور في البلد فارغ اليدين ولم يفي رجال الحركة بوعودهم التي قطعوها لهم فكان معاهدة لوزان تملصا من جميع الوعود التي قطعت في معاهدة سيفر والمعاهدتان معروفتان بنودهما ومنشورتان.
ان اي دراسة للوعود التي قطعتها الاحزاب القومية للقوميات الاخرى في الشرق لكافية للتوصل الى نتيجة عدم الايفاء بتلك الوعود دوما كالفقاعات الهوائية.
هنا نرى ان معظم الاحزاب السياسية التركية (على الاقل تلك المجازة بالعمل السياسي) وهي كثيرة من اليسار الى اليمين المتطرف ومن علمانيين الى الاحزاب تاخذ بالفكر الديني مبدا اساسيا للحكم اقول تراها تتوحد فكريا في رؤيتهم العقيمه لحقوق الشعوب اذ بقدرة قادر تتحول فجا الى احزاب ترى في كل شئ غير تركي تهديدا وفكرا انفصاليا الى درجة ان قضية قبرص التي وجد العسكر في السبعينات حلا مثاليا لها بالتعاون مع حزب اليسار الوسط التي كان يتزعمها السياسي المخظرم والقدير السيد" بولند اجويد" واعني حزب الشعب الجمهوري وبالمناسبة ان هذا الحزب من اوائل الاحزاب السياسية التركية اذ يعتبر" كمال اتاتورك" مؤسس الدولة التركية الحديثة مؤسس الحزب كذلك، اقول ان العسكر وجدوا في الاحتلال العسكري لهذه الجزيرة الوديعة وتقسيم ابنائها اللذين سكنوا جنبا الى جنب الاف السنين في حوار حظاري وامن وسلام حلا على سجيتهم فجرى على الجزيرة ويلات نتيجة تواجد الجيش المحتل و استفحال الفكر القومي البغيض بين شعبي الجزيرة من الترك واليونانيين. ان الحوار السياسي الذي سيؤدي حتما الى عودة المياه الى مجاريها واتحاد شطري الجزيرة حتمية وقد كان انتشار الفكر والمبادئ التي تدعوا اليها الاتحاد الاوربي في اوربا من ناحية ومن ناحية اخرى الموافقة على انتماء الجزيرة الى الاتحاد الاوربي على الاقل "الشطر اليوناني" كما يسمى في الادبات السياسية اليوم مكونا بذلك حالة غريبة وطارئة في السياسة العالمية وذلك بوجود دولة اتحادية يحتل جزء منها جيش اجنبي وتلك المعظلة وكما ذكرت تبدوا انها في طور الانقشاع وحلها قريب جدا وكما صرح السيد ادوغان رئيس وزراء التركي.
ان المخاوف التركية من تطبيق الديمقراطية في العراق تتاتى بالدرجة الاولى من عدم وعيها السياسي حيث ان السياسة الرسمية للبلاد تتفق مع الانتماء الى الاتحاد الاوربي الذي يعتبر في الواقع الضمان الاساسي لحقوق الانسان والمواطن في دول الاتحاد التي تناقش في هذه الايام الدستور الاوربي الموحد وقد كتبت عن الدستور على صفحات "ايلاف" العام الماضي حين تم تقديمها الى المؤتمر الوزاري في سالوينك اليونانية من قبل الرئيس الفرنسي السابق "فالري فالري جيسكارد دستان" تجدون النص تحت الرابط التالي:
http://www.elaph.com.:9090/elaph/arabic/index.html
ان مجرد انضمام تركيا الى الاتحاد الاوربي سيطرح موضوع حقوق القوميات الغير تركية من ناحية ومن ناحية اخرى ستجبر تركيا على اتخاذ تدابير اضافية في تغير قوانينها وحتى دستورها في العديد من الفقرات التي تنافي روح الدستور الاوربي.
ان الانتماء الى الاتحاد الاوربي يجعل من العديد من المشاكل المحلية تاخذ طابعا وخصوصية اوربية وعلى البرلمان الاوربي معالجتها من ناحية ومن ناحية اخرى نرى مثلا ان المواطن الكردي في تركيا بحكم حقوق المواطنة التي يعطيها له الدستور الاوربي يجوز له مراجعة المحكمة الاوربية ومقاضاة الدولة التركية في العديد من القضايا وحتى يمكنه تميز قرارات التي اتخذتها المحاكم التركية اذا ما كانت تعارض المبادئ الاساسية للاتحاد الاوربي. ناهيك عن هذا وتلك فانه لا توجد دولة اوربية من دول الاتحاد تمنع شعب من شعوبها عن استعمال لغتها القومية او اقلية تمارس شعائرها وطقوسها ومعتقداتها.
ان القيادة التركية وجميع القوى السياسية علبها ان تعي بانه قد حان الاوان للتغير ورؤية الامور بمنظور اوربي جديد فليس من المعقول ان ينادون بالاتحاد الاختياري مع اوربا الاتحادية ويرفضون ان يختار الشعب العراقي طريق الاتحاد الفدرالي تكون فيها دولة العراق اتحادية فدرالية تعطي الحقوق للجميع.


السويد


خاص بأصداء

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الناقد العراقي