الشيخ " غازي" والروح العراقية الجريحة
الاثنين 07 يونيو 2004 15:16
الدكتور توفيق آلتونجي






"الخبرة كالنجوم في صفحة السماء، دليلنا، عندما تسدل الظلمة وشاحها"
حكمة صينية


الرئيس العراقي الجديد" الشيخ غازي عجيل الياور" يحمل شعلة الامل العراقي الجديدة في اعادة السيادة والارادة الوطنية المستقلة على ارض وتراب العراق في انهاء الاحتلال واستتباب الامن والسلام والمصالحة الوطنية.تقع تلك المهام المقدسة كذلك على عاتق جميع القوى الوطنية العراقية الخيرة ومحبي الشعب العراقي. حيث عليها ان تتكاتف في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ العراق المعاصر والاخذ بالمبادرة في تحمل اعباء المسؤلية الوطنية تجاه ابناء الامة العراقية والتاريخ، اقول قارئي الكريم انه الرجل المناسب والاختيار الحكيم في هذا الوقت العصيب من تاريخ الامة العراقية. ان ارساء دعائم المجتمع المدني ودولة الحق والقانون والمساوة امل يراود البشرية منذ الخليقة الاولى ولا ريب ان تحقيق هذا الحلم وعلى ارض الحضارات بلاد الرافدين بعد عقود من الظلام القاتم الذي حل بارض السواد حاصدا اروح ابنائها في حروب ومغامرات وغزوات وشعارات وصلت الى درجة التقديس والعياذ بالله للشخص والصورة والصنم. قدم في سوح معاركها والقتال اجيال من العراقيين لا ذنب لهم الا حملهم للهوية الوطنية العراقية وتمسكهم بها واكرر ان تحقيق هذا الحلم لهو البداية الحقيقية لانطلاق الروح العراقية الصادقة وسموها في سمائات الحظارة الانسانية.
ان ارساء دعائم دولة القانون في بداية العهد الجديد ورغم عدم مرورها من العملية الديمقراطية الانتخابية واناطته المسؤلية والقائها على عاتق رجل جليل من عائلة عراقية كريمة ومن عشيرة معروفة بكرمها ووطنيتها وامتدادها البشري في الشرق الاسلامي ففي سوريا والاردن والجزيرة العربية انتشروا حاملين راية "لا اله الاالله" ناشرين الدعوة المحمدية السمحة. لقد تفرعت هذه العشيرة كفروع الشجرة الطيبة في كل الاتجاهات وخلال مرور الزمن ونتيجة للحوار الحظاري الانساني تصاهروا مع شعوب المنطقة مكونين تعددية عقائدية عراقية صرفة ولا ريب ان تعددية العراقي عامل قوة وغنى ثقافي بديع وفخر للامة العراقية.

الشيخ عجيل الياور
ان العراق امام مرحلة من التغير تحمل بذور الاصلاح والتجديد ونبذ ارث الماضي خاصة ذلك السلبي منه والمرتبط باستخدام اساليب العنف والقتل وشمولية الفكر المطلق الذي لا يقبل الحوار ويلغي وجود الاخر المختلف. لا ريب ان كل تجديد سيواجه مقاومة تصل احيانا الى درجة اللجوء الى اساليب غير ديمقراطية كالعنف والتخريب وهدر طاقات الوطن وثرواتها الطبيعية والبشرية في حين ان الاجواء الديمقراطية ستسمح بممارسة المعارضة السلمية ويقوم المشرع والمسن للقانون الاساسي بتعين طرق واساليب اجراء تلك الممارسات والحقوق الثابتة للمواطن الى درجة تغير الحكومات عن طريق صناديق الاقتراع والانتخابات البرلمانية ناهيك عن هذا وتلك يتمكن المواطن من المشاركة في الاستفتائات واستطلاعات الرأي الشعبية عند وجود الحاجة الى رأي الشعب واللجوء اليه في امور جذرية وحياتية مهمة تهم الحاضر او المستقبل. ان من اهم عوامل نجاح الحركات التغيرية الاصلاحية هو الاصرار المستمر والمتكرر على المسير في طريق الاصلاحات الى النهاية وتلك العملية مهمة في نظام المؤشرات بين الحاكم والمحكوم. ان بوادر تبلور المعارضة العراقية على الساحة السياسية العراقية من الامور الايجابية في الممارسة الحقيقية للديمقراطية وارساء دعائم المجتمع المدني وضمان حرية الراي والمبدا. لا ريب ان من اهم مقومات الممارسة الديمقراطية هو التعددية الفكرية ووجود آلية تسمح بممارسة شعائر اداء عملية الرقابة والمتابعة والنقد لاداء الحكومات في عملية صراع سلمي على السلطة يربح فيها من يحصل على ثقة اغلبية الشعب في دورة انتخابية برلمانية. وكل ذلك قارئي الكريم عملية استثمارية حظارية طويلة الاجل لا يمكن بلوغها بين الصبح وضحاها.

ان المؤازرة والمساندة الشعبية للحاكم يجب ان تكون بعيدة كل البعد عن الاساليب البالية في تقديس شخصية الزعيم ورسم هالة من القدسية المطلقة حوله الى درجة اعتباره معصوما كامل الحكمة وسديد الرأي يرفع صوره المليونية في ازقة وحارات البلاد داخلا بيوت الناس الكرام لتجرى امامة مراسيم الطاعة والذل والمهانة. لذا ارى ان تكون هناك صورة رسمية واحدة للسيد الرئيس ترفع في الدوائر الرسمية في الداخل والخارج كرمز من رموز الدولة والشعب العراقي.

ان منصب حاكم الدولة"جمهوريات او ملكيات" وفي العديد من دول العالم رمزي و ربما سيتحول مستقبلا الى منصب فخري ورمزي في العراق كذلك وذلك عن طريق تعين وتحديد صلاحياتة عبر الدستور والقانون الاساسي وبذلك يتحول الى شخصية تمثل الامة العراقية اكثر من تمثيله لطائفة معينة او لقوم معينين وهذا المبدا الاخير يعزز من مكانة وشخصية الزعيم او القائد في امة تعددية كالامة العراقية. من ناحية اخرى يبعد شبح التفرد والدكتاتورية خاصة اذا ما كان الدستور قد نص وبوضوح تام على مداولة المنصب بعد كل فترة انتخابية يقررها القانون حيث يمكن للمرشح اعادة ترشيح نفسة لدورتين انتخابيتين فقط. على المشرع ملاحظة امكانية الالتفاف على القانون وعدم تركه لاي ثغرة قد تسبب في المستقبل بروز طموحات شخصية عند القائد لتغير فقرات القانون الاساسي بما يتناسب مع طموحاته الشخصية وكما حصل في العديد من دول العالم حيث يبقى القائد محتفظا بالمنصب مدى الحياة وقد يجهز وصيا للعرش من بين ابنائه رغم النظام الجمهوري. هذا بالطبع لا يخالف المبدا الديمقراطي العام في كون ابن الرئيس مواطنا عاديا يمكنه ترشيح نفسه لرئاسة الدولة واذا حصل على الاصوات الكافية ينتخب من قبل الشعب كرئيس دولة.
ان غياب التجربة السياسية والادارية قد ينعكس سلبا على اداء القيادة ولكن توفر الكادر العراقي المتمكن والكفؤ والمجرب ضمان لاداء الصحيح للقيادة الادارية ولا ريب ان هناك علماء ومفكرين عراقيين في الداخل والخارج يمكنهم حمل اعباء بناء العراق الجديد. ان مهمة العراقيين في الخارج مهمة سامية ومزدوجة و ذو اهمية كبيرة في بناء عراق المستقبل. خاصة هؤلاء اللذين تشبعوا بالعلم والمعرفة والتجربة خلال العقود الماضية في دول المنفى. ان وجود المنظمات العراقية الوطنية كالمنظمة الوطنية للمجتمع المدني وحقوق العراقيين التي تطوع فيها خيرة ونخبة العراقيين الوطنيين من داخل العراق ومن كافة ارجاء المعمورة يعملون ليل نهار لخدمة الوطن والامة العراقية الابية. ان تلك الجمهرة الطيبة سند وفريق استشاري للقيادة العراقية الجديدة وثروة وطنية عزيزة عراقية. وهناك كذلك العديد من المنظمات العراقية الاخرى تدخل ضمن الوصف السابق ويمكنها اداء نفس تلك المهمة الجليلة في خدمة العراق.


التعداد السكاني للامة العراقية سيفرز ولاول مرة لوحة سكانية ربما لا تكون مشابهة لجميع التوقعات والتخمينات الاحصائية السابقة وحتى الاحصائيات القديمة. ليس فقط لوجود النزاهة فيها بل لانها ستجري تحت اجواء الديمقراطية وغياب هيمنة الفكر الشمولي وارادته في تغير مسار المعطيات في سبيل اهداف سياسية وقومية ضيقة.
ان نتائج الاحصاء السكاني سيكون بنسبة كبيرة مطابقة للواقع وبذلك سيكون التحليل العلمي للمعطيات والتخمينات مصدرا اساسيا يمكن الاعتماد عليه في الدراسات والبحوث.
ان رسم خارطة اثنوغرافية جديدة للامة العراقية سيعطي حقوق جميع الفاصئل الصغيرة منها والكبيرة في التركيب السكاني وحسب التفاصيل والضوابط التي تعينها لجان الاحصاء مما يسهل معرفة الكثير من الحيثيات والتفاصيل الصغيرة في التركيبة السكانية للامة العراقية وبالنتيجة تسهل عملية اجراء الانتخابات النيابية. قد يجوز الاشارة ها هنا الى اهمية تمثيل التركيبة الاثنية العراقية في تركيبة الدولة دون اعتبار العدد السكاني اساسا لضمان وجودهم في البرلمان الوطني العراقي"الجمعية الوطنية العراقية" وذلك بتخصيص مقاعد ثابتة لتلك الاقليات العرقية والدينية. هذا المبدا يعني ان التفرد على اساس الاغلبية تكون نسبية وتبقى الحاجة الى وجود توافق عام بين المجاميع البرلمانية في التوصل الى قرارات تهم الجميع وتلك تعزز مبدا المشاركة الواسعة.
ان عكس البرلمان الوطني العراقي"الجمعية الوطنية" القادم للتركيبة الاثنية العراقية يؤدي الى ارساء مبدا اساسي في اداء مهام نوابها الا وهو "الاتلاف" والتوافق في اصدار القرارات المهمة من ناحية اخرى تتحول هذه الممارسة الى آليه تضمن عدم تفرد مجموعة معينة وانغلاقها وفرض فكرها على الاخرين لمجرد انهم يمثلون الاغلبية العددية السكانية او العقائدية. هنا تجدر الاشارة الى غلبة المبدا الداعي الى اعتبار الكفائة والتجربة الشخصية وعلوم ومعارف الفرد اساسا لتسنم اي منصب في الحكومة او الدولة بعيدا عن انتمائات الشخص العرقية والعقائدية يفتح باب الترشيح امام جميع العراقيين على قدم المساواة لخوض الانتخابات الرئاسية والنيابية دون تحديد اساس الانتماء القومي او العقائدي. رغم ان اعتلاء رجال الدين الى قمة السلطة احد الاساليب الغير مقبولة في العديد من دول العالم وهناك توجهات عقائدية تدعوا الى عدم جواز ممارسة السياسة لرجال الدين عند العديد من الطوائف وتحديد مجال ممارساتهم في العلاقة بين الخالق والمخلوق دون الدخول الى الحياة السياسية الدنيوية ولكن الواقع ان هناك استثنائات هنا وهناك وربما المثال الاقرب للواقع في سيطرة رجال الدين على مقاليد السلطة والحكم كما نراه في حاضرة الفاتيكان كنموذج لثنائية السلطة رغم كونها محددة في تركيبتها وهيكلتها الادارية الخاصة بدولة الفاتيكان. هذا ونرى نماذج اخرى في الماضي لاعتلاء رجال الدين على مقاليد الحكم كما كانت عليها قبرص مثلا ايام الاسقف مكاريوس وسيطرة البوذين على اقليم التبت والنيبال. اما الدول العربية والاسلامية فقد كانت دوما تراعي عدم خلط السلطة الدينية بالدنيوية في العصر الحديث فلا نرى هناك رئيس دولة يحمل لقبا دينيا الا ان الجمهورية الاسلامية في ايران قد نحت منحا جديدا ومغايرا بعد ان كانت في سنواتها الاولى تسير على نفس النهج العام للدول الاسلامية الاخرى حيث كان الرئيس السابق بني صدر رئيسا للجمهورية وهو وكما هو معلوم لا ينتمي الى رجال الدين.
هذا المبدا السيادي ليس له اية علاقة مع الفكر السايسي للاحزاب فهي لها انطلاقاتها المختلفة من دينية او قومية او طائفية وتختلف من ناحية دعوتها الفكرية من اقصى اليمين الى اقصى اليسار متشعبة ويبقى الاختيار النهائي للشعب وما يفرزه صناديق الاقتراع.
ارى في النموذج السويدي حالة خاصة وقد كتبت عن تلك التجربة عدة مرات وفي حلقات مبينا هيكلها التنظيمي واسس آلية عملها والجدير بالذكر ان هناك في السويد مجلس اعلى للكنائس تاخذ على عاتقها العلاقات الدينية للناس وتنظم مسارها وهذا المجلس يتم اختيار اعضائه عن طريق الانتخابات العامة تشارك الاحزاب السياسية في ترشيح اعضاء لهم لخوض تلك الانتخابات وهي دورية تجاري الانتخابات البرلمانية العامة زمنيا.
تحية للتجربة العراقية الرائدة الجديدة وتحية لرئيس الامة العراقية وتحية لرجال ونساء المجتمع المدني العراقي الجديد ونحو "عراق الغد" الامل الجديد............................

السويد
http://altonchi.blogspot.com/
اقرء المزيد من مقالات الكاتب عن طريق البحث في ارشيف موقع ايلاف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الناقد العراقي