نصف صفحة

أوغسط سترنبرك 1849 - 1912
ترجمة عن السويدية للدكتور توفيق آلتونجي
مقدمة
احد اشهر كتاب الادب الطبيعي في السويد , مسرحي , روائي ورسام . بكتاباته بدا عهد جديدا في تاريخ الادب السويدي بنشره عام 1879 روايته "الغرفة الحمراء" وأعتبر ذلك التاريخ الحد الفاصل بين الرومانتيكية التي كانت فيها الادب وصفا للجميل والجمال وبين ادب ما يسمى هنا في السويد بأدب الثمانينيات في حصر مهمة الكاتب في أعادة كتابة الصورة الواقعية للعالم الذي يعيش فيه ألبشر هذا التعبير في الادب يسمى كذلك بالطبيعية حيث تعتبر رواية الكاتب المذكورة الرائدة في نقد ألعلاقات القائمة آنذاك في المجتمع السويدي.
كانت أفكار الداروينية سائدة ابان القرن التاسع عشر وذو أهمية كبيرة من خلال تحليله للتطور البشري كنتيجة للصراع الدائم من أجل البقاء يكون فيه الاصلح والأقوى من الناجين والباقين. نرى انعكاسات تلك الافكار في صراع الرجل مع المرأة في مسرحيته الخالدة "الانسه يوليا" وقد نرى ذلك الصراع طاغيا على مجموعته الاخرى وأعني الثنائية الزيجة الاولى 1884 و الزيجة الثانية 1886
ولد الكاتب لام كانت قد عملت كخادمة في العاصمة السويدية ستوكهولم سنة 1849 ولأب تاجر عكس كل ذلك لاحقا عندما كتب سيرة حياته في تلك الفترة في رائعة الاخرى "ابن ألخادمة الذي تعتبر بحد ذاته روايته عن حياته الشخصية وعلاقته مع أبويه حيث فجع بموت والدته ولم يكن هو يتعدى الثالثة عشر من العمر وتك الحادثة المروعة في فقد الام ترك اثارا كبيرة عليه لاحقا وبعلاقته المتوترة مع ابية الصارم.
قضى هذا الكاتب الكبير اخريات ايامه في مدينة ستوكهولم في شارع الملكة في بناية تسمى بالبرج الازرق لا تزال لحد الان متحف الكاتب يؤمه الزوار ومحبين ادب هذا الكاتب العظيم. هذه ترجمة من السويدية لإحدى قصصه القصيرة.
( المترجم)



كان عربة نقل الاثاث الاخيرة قد حملت وتركت المكان. المؤجر شاب يعتمر قبعة عليها وشاحا اسودا بدا ولمرة اخيرة بالتفتيش في غرف الشقة عله نسى شيء - كلا لا شيء غاب عن عينيه , لا شئ مطلقا . يتهيأ لترك صالة الشقة مقررا عدم التفكير في مجريات حياته في هذه الشقة. لكن , انظر في الصالة هناك لصق بدبوس نصف ورقة على الحائط لأرقام ألتلفونات الشخصية مليئة بالأرقام كتبة عدة وبخطوط بيد اناس كثيرون , بعضها شطب عليها لمحييها بقلم الحبر وأخريات مكتوبة بخط سيئ شطبت بالرصاص او بالقلم الاحمر. كان هناك كل ذلك التأريخ الجميل الذي جرى احداثة خلال فترة قصيرة لم تتجاوز العامين ... كل ما كان يريد نسيانه كتبت هناك .. نصف قطعة ورقية تحتوي في طياتها على حياة انسان.
اخذ الورقة المسودة اللامعة الصفراء من على الحائط. اتكئ واضعا الورقة على سطح المدفئة الرخامية المصنوعة من الكاشي القاشاني وبدأ حالا بقراءتها.
بدأ كتب اسمها: "ألس" اجمل اسم عرفها, لانها كانت اسم خطيبته والرقم 1511 , كأنه رقم احدى التسابيح"المزامير" الكنسية . بعدها رقم البنك مكان عمله الذي اعطاه لقمة عيشه وسكنه وزوجته وأساسا لوجوده. شطب عليه. لان البنك كان قد افلس ونجا هو بوظيفته بعد جهد جهيد بانتقاله الى بنك اخر.
بعد ذلك يلي رقم بائع الزهور والعربنجي "الحنطور" . كان انذاك وقت الخطوبة وكانت جيوبة مليئة بالمال.
يليه : بائع الاثاث , والدوشمجي : يؤثث البيت. مكتب نقليات الاثاث: ينتقلون الى البيت.
شباك قطع التذاكر في الاوبرا: 5050 . أنهم متزوجزن توا ويعتادون ارتياد دار الاوبرا ايام الاحاد. احلى لحظاتهم تلك التي يجلسون فيها وبصمت حيث يلتقون في الجهة الاخرى من الستارة في عالم الحكايات في جمال وانسجام.
هنا يلي اسم أحد الاشخاص مشطوب علية. كان صديقا ولكنة وصل الى مكانة راقية في المجتمع ولم يقاوم فهوى مقهورا فكان عليه الهجر والابتعاد. هكذا لم يتمكن المقاومة.
هنا يشاهد ان شيئ جديدا حدث في حياة الزوجين. كتب بخط سيدة البيت وبقلم الرصاص : "السيدة" أية سيده نعم تلك السيدة ذو المعطف والوجه الصبوح الودود والتي تاتي بسكوت و لا تدخل من الصالة بل تعبر الممر مباشرة الى غرفة النوم.
تحت اسمها كتب الدكتور و حرف الام.
لاول مرة يظهر اسم احد الاقرباء في القائمة. كتب "ماما". أنها حماتي , كانت قد اختفت عن الانظار ولم تزرنا كي لا تزعج حديثي الزواج ولكن الان تدعى للحضور في الحالات العاجلة , وتأتي بسرور بمقتضى الحاجة لوجودها.
هنا تبدأ كتابات لا يمكن قراءتها بلوني الازرق والأحمر . مكتب العمل. انتقلت الأنسة , او سوف يتم تعين أخرى. الصيدلية.
أوف , لقد ساد الدجى ! مصلحة الالبان والحليب . هنا كتب حليب , خالي من بكتريا السل.
البقال , القصاب , ...الخ. البيت يبدا بالعناية به عن طريق طلب هاتفي لان السيدة غائبة عن المكان. كلا أنها مقعدة تلزم الفراش.
الكلمات التالية لم يتمكن من الاستمرار في قرائتها فقد اسدل غشاوة على جفنيه كالغريق الذي ينظر من خلال المياه المالحة في البحر. ولكن كان موجدا هناك : مكتب الحانوتي وهذا يكفي. بالطبع! تابوت كبير وآخر صغير , مفهوم انه التوابيت وقد كتب بين قوسين الى الثرى.
بعد ذلك لم يكن هناك اي كتابة. التراب نهاية كل شئ وهو كذلك. ولكنة اخذ قصاصة الورق وقبلها واظعا اياها في جيبه القريب من قلبه. خلال دقيقتين اعاد الحياة الى عامين من حياته. لم ينحني عندما ترك الشقة بل بالعكس رفع رأسه بشموخ كانسان سعيد وفخور لانه احس وبالتأكيد انة ملك الاجمل.
كم من اليائسين الذين لم يحصلوا على ذلك ابدا!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الناقد العراقي