غياب الوجه البشوش للسويد ونافذتها المطلة على العالم
"اغتيال آنا ليند وزيرة الخارجية السويدية"


من هنا ومن غرفة عملي في بيتي و المطلة على الساحة المركزية للمدينة واثناء ذهابي الى مقر عملي , ارى وجهها الصبوح يوميا في لافتة اعلانية كبيرة وهي تمد يدها باتسامتها المعهودة كتب بجانب الصورة بعناية نصا تقول فيه:

- العمل المشترك يقوي سويدنا , نختار البقاء خارج الاتحاد نرتمي في العزلة والامبالات.
تلك اليافطة التي تدعو الى السلام والامن في البلاد والعالم في دعوة للتصويت ب"نعم" للانتماء الى اتفاقية اتحاد النقد الاوربي "اي ام يو".
كنت قد كتبت في الصباح الباكر مقالة عن حادثة الاعتداء بالطعن والتي تعرضت اليها السيدة " آنا ليند" لارسالها هذا المساء الى "ايلاف" ولكن القدر كان اسرع فانتقل روحها الى البارئ عز وجل في الساعات الاولى من صباح هذا اليوم و لم يمر الا سويعات قليلة لينتشر الخبر بوفاتها اثناء اجراء العمليات الجراحية لانقاذها وبذلك تفقد السويد احد اهم وزرائها وزيرة الخارجية تلك السيدة مثال النبل في سياستها الحكيمة وندائاتها المتكررة في نبذ العنف كخيار في حل المنازعات والخلافات الدولية.
انتكست الاعلام في الدوائر الرسمية حدادا على وفاة سيدة الدبلوماسية الهادئة السويدية والعالمية. اختار معظم سياسي العالم الحداد وارسال برقيات التعازي الى عائلة الفقيدة وابناها على راس المعزين وقف وزير الخارجية الامريكية ليقول عنها: تلك السيدة التي عملت معها عن قرب... وليعرب عن اسفة ويقدم التعازي لعائلة الفقيدة. سيدة لم تتعدى سنها ال 46 عاما دخلت في الخامسة والعشرون عالم السياسة الواسع لتجلس نائبة في البرلمان السويدي ولتتحمل لاحقا في عام 1995 اعباء توليها وزارة البيئة ومن ثم كوزيرة للخارجية في العام الماضي.
في التفاتة رائعة من لدن امام مسجد العاصمة الذي قرر الصلاة في المسلمين غدا الجمعة والدعوات من اجل روح تلك السيدة الجليلة رمز الامان والسلام.
كانت باعثة السرور في قاعات البرلمان الاوربي وشخصية فريدة في عالم السياسة وقائدة محنكة للحركة النسائية السويدية حيث تعتبر الرمز والمثال الاعلى للعديد من السيدات التي اخترن خوض غمارعالم السياسة. ذلك العالم وخاصة السياسة الخارجية منه, يسوده غلبة العنصر الرجالي وخشونته. عارضت هذه السيدة النبيلة استعمال العنف المفرط في الشرق الاوسط ودعت الى وحل النزاع العربي الاسرائيلي والنزاعات الاخرىعن طريق التفاهم والحوار المشترك وكانت في ارائها حرة تخالف حتى احيانا رئيس الوزاء السويدي في مواقفه. هذا الاخير الذي وقف والدموع في مقلتيه ليعلن للملئ هذا الصباح رحيل سيدة الوزراء. كانت من اكثر المرشحين حظوظا لتنال مقعد لخلافته لرئاسة الحزب الاشتراكي.
سيدة وضعت السويد مرة اخرى على الخارطة السياسية العالمية وفي قيادة التعقل والحكمة والشفافية في حل النزاعات بعد غياب رئيس وزراء السويد السابق والشخصية العالمية "اولف بالمه" على اثر اغتياله هو الاخر في احد شوارع العاصمة. تلك الحادثة الدراماتيكية في حياة السويد. هذا البلد الذي لم يعرف العنف الا ايام سيطرة الفايكنك قبل الاف السنين. دولة لم تعرف معنى الحرب خلال اكثر من 189 عاما. يتنزه السياسيون بكل حرية في الشوارع يلتقون بالمواطنين في الساحات والمنتديات العامة يناقشونهم ارائهم وتطلعاتهم كاشخاص عاديون دون اي حماية وشرطة وحرس امن مدججين بالسلاح والعتاد كما اعتدنا على مشاهدته في معظم دول العالم. هنا ياتي الوزير راجلا او بالدراجة الهوائية وبملابس بسيطة الى اللقائات الشعبية وربما لا يجد احدا يستمع اليه فتراه يخطب لنفسه دون اي حرج.
لا تزال وكما ذكرت حادثة اغتيال رئيس وزراء السويد السابق وبعد 17 عاماعالقة في الاذهان لحد يومنا هذا وجائت حادثة اغتيال السيدة آنا لتزيد من التساؤلات حول غياب الحرس الخاص للسياسيين ورجال الدولة اثناء وجودهم في الاسواق والاماكن العامة. حيث يقول الشرطة بانهم سيسخرون جميع طاقاتهم للقبض على الجاني , المجرم و القاتل في حين ترتفع اصوات بنقد دور رجال الامن واختلاف الروايات حول الجاني. الجدير بالذكر ان المسؤلون ذكروا بان الجاني شاب وذو هيئة تدل على انه سويدي.
سلاما الى روح الشهداء اينما كانوا وحلوا وليبارك الله اروحهم وليعم السلام المعمورة للتحقق امانيهم وامل الانسانية.


الدكتور توفيق آلتونجي
خاص ب ايلاف
السويد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الناقد العراقي